الذات الحقيقية والذات الزائفة

 

فكر في آخر مرة نصحك فيها أحدهم، "فقط كن على طبيعتك!" هل تساءلت يومًا ما، فلسفيًا أو ببعض الإحباط، "ماذا يعني ذلك حقًا؟"

الناس لديهم كل أنواع الشخصيات المختلفة. نحن دائمًا نجري تعديلات بسيطة على الطريقة التي نقدم بها أنفسنا بناءً على الأشخاص الموجودين حولنا. ربما تجد أنك تعتمد بشكل كبير على تكييف نفسك مع توقعات الآخرين - ربما لدرجة أن نصيحة "كن على طبيعتك فقط" تبدو غامضة أو مربكة، أو حتى مخيفة بعض الشيء.

شرح الدكتور وينيكوت فكرة أن الناس قد يطورون ذات زائفة لحماية ذاتهم الحقيقية الأكثر ضعفًا - وأنهم قد يفعلون ذلك في سن مبكرة جدًا، دون أن يعرفوا ذلك.

لكن كيف نطور الذات الزائفة، خاصة إذا لم نكن مدركين لذلك؟ يسلط وينيكوت الضوء على أهمية "الأم" (اعتبارها أنها القائم على الرعاية الأولية، بغض النظر عن الجنس). علاقات الوالدين مع أطفالهم هي علاقات تكوينية للغاية، ولوصف هذا الوالد شديد التناغم وغم بشريته، صاغ وينيكوت مصطلح "الأم الجيدة بما يكفي".

يصف وينيكوت الأطفال بأنهم "عفويون"، مما يعني أنهم لا يفكرون في الطريقة التي يتصرفون بها، بل يفعلون فقط ما يحتاجون إليه - والذي يميل كثيرًا إلى الحاجة إلى المساعدة والطمأنينة. يجادل وينيكوت بأن الحاجة إلى المساعدة والطمأنينة هي الأشياء الأساسية لذواتنا الحقيقية، والتي تبذل أمنا الجيدة بما يكفي لفهمها وإرضائها. لا شيء مثالي، ولكن طالما أن والدينا يحاولون وينجحون بذلك معظم الوقت، فإن هذه الاستجابة تقوي إيماننا بأنه إذا صرخنا، فسوف يسمعنا أحدهم ويفهمنا ويبذل قصارى جهده لمساعدتنا. هذا يقوي ثقتنا بأن احتياجاتنا ورغباتنا الأساسية والصادقة لا بأس بها - أننا يمكن أن نرتبط بالآخرين ويمكن التحكم في مشاعرنا. ينمو الشخص الذي يتمتع بهذا النوع من الطمأنينة وهو يشعر بالثقة الكافية لإخراج ذاته الحقيقية في العالم الحقيقي، ويعيش بانفتاح وفقًا لقلبه.

لكن في بعض الحالات، يبدأ الأطفال في امتلاك رغبات واحتياجات عفوية، لكن والديهم لا يستطيعون الاستجابة بشكل كافٍ (ربما بسبب المرض أو الاكتئاب أو طلب احتياجات الآخرين). سيبدأ الطفل في الشعور بأن احتياجاته ورغباته الأساسية والحقيقية غير مقبولة أو لا يمكن التحكم فيها. في مثل هذه الحالة، سيصبح الطفل ما يسميه وينيكوت مطيعًا (أو مسايرًا) - أي أن الطفل سوف يعدل سلوكه، حتى دون التفكير بوعي في ذلك. هذا التوافق مع بيئتهم هو محاولة الطفل لحماية نفسه من المزيد من الضعف أو خيبة الأمل - ولكنها ايضًا تغطية للرغبة الأصلية الحقيقية. هنا تحدث ولادة الذات الزائفة.

على سبيل المثال، في موقف يصرخ فيه الطفل، "أريد الانتباه، أريد العناق!" وغالبًا ما تكون الأم غير قادرة على الاستجابة بشكل مناسب، فسيقوم الطفل بتعديل ما يقوله للعالم، ويصرخ بدلاً من ذلك، "لست بحاجة إلى أي شخص، أنا لست وحيدًا." ومع ذلك، سيكون هذا هو عرض الذات الزائفة، وتحتها، ستظل الذات الحقيقية تتوق إلى هذا العناق. يمكن أن يصبح ادعاء الذات الزائفة "أنا لست بحاجة إلى أي شخص" قويًا لدرجة أن رغبة الذات الحقيقية الأولية ("أريد العناق!") قد تخرج من وعي الشخص وتختفي بعيدًا في اللاوعي.

ربما تكون قد لاحظت شيئًا مهمًا حقًا في هذه الفكرة: يقترح الدكتور وينيكوت أن إحساسنا الأساسي بالذات لا يتم تعزيزه من تلقاء نفسه فحسب، بل داخل علاقة - أي علاقاتنا المبكرة مع والدينا وعائلتنا. ويستمر حتى مرحلة البلوغ، ويمكن أن يستمر إحساسنا بالذات في التكيف بناءً على العلاقات التي نقيمها أثناء نمونا، ولكن البداية هي خطوة حاسمة تحدد مصير كيفية المضي قدمًا.

وفقًا لوينيكوت، يمكن للأشخاص الذين لديهم ذوات زائفة نشطة جدًا الاستمرار في عيش حياة ناجحة تمامًا، لكن الحياة التي تعيش في أعماقها تشعر بعدم الرضا أو "متصنعة". يمكن أن يكونوا أيضًا متكيفين حقًا مع توقعات الآخرين منهم على أمل التواصل، ولكن يمكن أن يظهروا على أنهم ممثلين أو محرجين، مما يؤدي إلى علاقات أقل أصالة وأقل إرضاءً. يشير وينيكوت إلى أن امتلاك شخصية ذاتية زائفة قوية جدًا يمنع الناس من التصرف وفقًا لعفويتهم ودوافعهم الإبداعية، مما يجعل الشخص يشعر بأنه غير أصيل وفارغ، وأحيانًا لا يكون لديه أدنى فكرة عن سبب شعوره بهذه الطريقة.

إذا كانت العلاقات هي الأساس الذي يشكل إحساسنا بالذات، فعندئذٍ فهي التي يمكن أن تساعدنا في تغييره. من الطرق الرائعة لفك تشابك الذات الزائفة عن الذات الحقيقية واستعادة الثقة في تعبيراتك الصادقة هي زيارة معالج نفسي. العلاج النفسي هو مساحة يمكنك من خلالها العودة إلى الأساسيات، واستكشاف مشاعرك ورغباتك الحقيقية بانفتاح، بينما يستمع إليك المعالج ويفهمك فهو يريد مساعدتك على الشعور بالحرية في أن تكون ما أنت عليه حقًا. مع المساعدة، قد تشعر أن عبارة "كن على طبيعتك فقط" نصيحة واضحة - فقد يكون لديك فهم أفضل لمن أنت وماذا تريد، ولديك ثقة أكبر في قدرة العالم على تقبلك.



المصادر:   1   -   2

تعليقات

إرسال تعليق